يحكى: عن سريّ قال: بينما نحن نسير في بعض بلاد الشام، إذ قال واحد منا: ههنا عابد، فميلوا بنا إليه؛ لعل الله يسخّره يكلمنا.
فملنا إليه، فوجدناه يبكي، فقلنا له: ما يُبكي العابد؟
فقال: ما لي لا أبكي وقد توعَّرت الطريق، وقلّ السالكون فيها، وهُجرت الأعمال، وقلّ الراغبون فيها، وقلّ الحقُّ، ودُرِسَ هذا الأمرُ فلا أراه إلا في لسان كلّ بطّالٍ ( ينطق بالحكمة ويُفارق الأعمال، قد افترش الرخصة وتمهّد التأويل، واعتلّ بزلل العاصين )؟!!
ثم صاح صيحة، وقال: كيف سكنت قلوبهم إلى روح الدنيا، وانقطعت عن روح ملكوت السّماء؟!
ثم جعل يقول: واغَمَّاه من فتنة العلماء، واكرباه من حيرة الأدلاء!!
وجال جولة، ثم قال: أين الأبرار من العلماء؟ بل أين الأخيار من الزّهّاد؟!
ثم بكى وقال: شغلهم _ والله _ طول الأمل عن ردّ الجواب، وعن ذكر الجنّة والنار، والثواب والعقاب وطول الحِساب!!
ثم قال: أستغفر الله من شهوة الكلام، تنحّوا عني.
فخليناه يبكي، وقد مُلِئنا منه غماً وهماً .