يقول ذو النون المصري رضي الله عنه :
سمعت بعض المتعبدين بساحل بحر الشام ، يقول :
إن لله عبادا عرفوه بيقين من معرفته فشمروا قصدا إليه
احتملوا فيه المصائب
لما يرجون عنده من الرغائب
صحبوا الدنيا بالأشجان ، وتنعموا فيها بطول الأحزان
فما نظروا إليها بعين راغب ، ولا تزودوا منها إلا كزاد الراكب
خافوا البيات فأسرعوا
ورجوا النجاة فأزمعوا
بذكره لهجت ألسنتهم في رضى سيدهم
نصبوا الآخرة نصب أعينهم
وأصغوا إليها بآذان قلوبهم
فلو رأيتهم رأيت قوما ذبلا شفاههم
خمصا بطونهم
حزينة قلوبهم
ناحلة أجسامهم
باكية أعينهم ،
لم يصحبوا العلل والتسويف
وقنعوا من الدنيا بقوت طفيف
لبسوا من اللباس أطمارا بالية
وسكنوا من البلاد قفارا خالية
هربوا من الأوطان
واستبدلوا الوحدة من الإخوان
فلو رأيتهم لرأيت قوما قد ذبحهم الليل بسكاكين السهر
وفصل الأعضاء منهم بخناجر التعب
خمص لطول السرى ، شعث لفقد الكرا ,
قد وصلوا الكلال بالكلال للنقلة والارتحال .