عن بعض الصالحين قال: رأيت سمنون في الطواف وهو يتمايل، فقبضت على يده وقلت له: يا شيخ، بموقفك بين يديه إلا أخبرتني بالأمر الذي أوصلك إليه؟
فلما سمع ذلك بذكر الموقف بين يديه، سقط مغشياً عليه، فلما أفاق أنشد:
ومكتئبٌ لجَّ السّـقامُ بجسمه *** كذا قلبه بين القلوب سقيمُ
يحقّ له لو مات خوفاً ولوعةً *** فموقفه يوم الحسابِ عظيم
ثم قال: يا أخي، آخذت نفسي بخمس خصال أحكمتها:
فأما الخصلة الأولى: أمَتُّ مني ما كان حياً ( وهو النفس )، وأحييت مني ما كان ميتاً ( وهو القلب ).
وأما الثانية: فإني أحضرت ما كان عني غائباً ( وهو حظي من الدار الآخرة )، وغيبت عني ما كان عندي حاضراً ( وهو نصيبي من الدنيا ).
وأما الثالثة: فإني أبقيت ما كان فانياً عندي ( وهو التقى )، وأفنيت ما كان باقيا عندي ( وهو الهوى ).
وأما الرابعة: فإني أنست بالأمر الذي منه تستوحشون، وفررت من الأمر الذي إليه تسكنون.
ثم ولى عني وهو يقول:
روحي إليك بكلها قد أقبلت *** لو كان فيك هلاكها ما أقلعت
تبكي عليك تخوّفـاً وتلهّفاً *** حتى يُقال من البكاء تقطّعت
فانظر إليها نظرة بتعطف *** فلطالمـا متّعتهـا فتمتّعـت