اعلم أنه قد انكشف لأرباب البصائر أن الذكر أفضل الأعمال ولكن له قشور ثلاثة بعضها أقرب إلى اللب من بعض ولها لب وراء القشور لكونها طريقا إليه.
– فالقشر الأعلى منه ذكر اللسان فقط.
– والثاني: ذكر القلب إذا كان القلب يحتاج إلى مراقبة حتى يحضر مع الذكر، ولو تركه وطبعه لاسترسل في أودية الأفكار.
– والثالث:أن يتمكن الذكر من القلب ويستولي عليه بحيث يحتاج إلى تكلف في صرفه عنه إلى غيره كما احتيج في الثاني إلى تكلف في إقراره معه ودوامه معه.
– الرابع: وهو اللباب المطلوب وذلك أن لا يلتفت القلب إلى الذكر ولا إلى القلب بل يستغرق المذكور جملته، ومهما ظهر له في أثناء ذلك التفات فذلك حجاب شاغل.
وهذه الحالة هي التي يعبر عنها العارفون بالفناء وذلك بأن يفني عن نفسه حتى لا يحس بشيء من ظواهر جواهره، ولا من العوارض الباطنة، بل يغيب عن جميع ذلك ويغيب عنه جميع ذلك ذاهبا إلى ربه أولا ثم ذاهبا فيه آخرا، وإن ظهر له في أثناء ذلك أنه فني عن نفسه بالكلية فذلك شوب وكدورة، بل الكمال فيه أن يفني عن نفسه ويفني عن الفناء أيضا، والفناء عن الفناء غاية الفناء.