يقول العارف بالله سيدي سلامة الراضي : “واعلم أنى ذكرت الله كثيراً، فمن أورادى أننى كنت أذكر (لا إله إلا الله) فى الليلة الواحدة اثنا عشر ألف مرة، ومكثت على ذلك الأعوام، وكنت أذكر (الله) بالاسم المفرد فى كل ليلة ثلاثين ألف مرة، وداومت على هذا الاسم ست سنين.
كنت أصوم من السنة نحو ثلاثمائة يوم، ومع الصوم أداوم على الرياضة غالباً، وكنتُ لا أدع الوضوء، فكل أحيانى أكون على طهارة.
وكنت أصلى على النبى صلى الله عليه وسلم فى كل ليلة نحو ساعتين من الساعات العادية. ذلك فوق أننى كنت مريضاً، حتى صرت نحيفاً مصفر الوجه، وما كان يصادفنى من الأهل والأصحاب وبقية الناس من العذل واللوم والشماتة والتوبيخ والزجر العنيف”.
كل هذا لم يثنِ من عزمِهِ على التوجه إلى الله تعالى.
يقول سيدى سلامة: “ومع هذا كله لم أفز بالوصول، ولا ببارقة أو لائحة، إلا النذر اليسير الذى يكون عند أهل الطريق لأطفالها، بل وربما لبعض العوام الذين صفت بواطنهم من ذكر الله”.
يقولُ الشيخ:
“فلما ضاقت نفسى، وكدت أن أقع فى يأس بعد جهاد أشرفت فيه على الهلاك، وبذلت فيه روحى، وتخليت فيه عن دنياى، ولم أبالِ ما فاتنى منها، وهجرت أصحابى، وخالفت كل عازل.
كل هذا ذهب هباءً منثوراً أدراج الرياح. والحبيب لم يسمح بنظرة. والباب لم يفتح للمسكين. وصرت حائراً. إن هذا الأمر لا يخرجنى منه إلا عناية الله، ثم بركة أشياخى، فتوجهت بقلبى إلى ربى أرجو من رحمته ما أهتدى به سواء السبيل.
فلم أشعر إلا والهاتف قد نادانى:
“يا هذا إنما الحيلة فى ترك الحيل”.
فعلمت أن مجاهداتى التى سرت فيها بهذه الشدة كنت فيها محتالاً، وأن الوصول لا يكون إلا بمحض فضله ومنته، وداومت على ذكر الله، لا لعلة وصول ولا غيره. فوافانى من ربى الرضا، ونور قلبى، وهدانى طريقه، ومن علىّ وأنعم وتكرم فله الفضل والمنة