وإياك ومعاداة أهل «لا إله إلا الله»؛ فإن لها من الله الولاية العامة، فهم أولياء الله، وإن أخطؤوا وجاؤوا بقراب الأرض خطايا لا يشركون بالله لقيهم الله بمثلها مغفرة.
ومن ثبتت ولايتُه فقد حرمت محاربتُه، ومن حارب الله فقد ذكر الله جزاءه في الدنيا والآخرة، وكل من لم يُطلعْكَ الله على عداوته لله، فلا تتّخذْهُ عدوّاً، وأقلُّ أحوالك إذا جهلته أن تُهمِلَ أمرَه، فإذا تحقّقتَ أنه عدوٌّ لله ـ وليس إلا المشرك ـ فتبرأ منه كما فعل إبراهيم الخليل عليه السلام في حق أبيه آزر؛ قال الله عز وجل: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114] هذا ميزانُك! بقول الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ من حَادَّ الله ورَسُولَهُ ولَوْ كانُوا آباءَهُمْ} كما فعل إبراهيم الخليل {أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22].
ومتى لا تعلم ذلك فلا تُعادِ عبادَ الله بالإمكان، ولا بما ظهر على اللسان، والذي ينبغي لك أن تكره فعلهُ لا عينهُ! والعدوُّ لله إنما تكرَهُ عينَهُ. ففرقٌ بين من تكرَهُ عينَهُ ـ وهو عدو الله ـ وبين من تكره فعلَهُ ـوهو المؤمن ـ أو من تجهل خاتمته ممن ليس بمسلم في الوقت.
واحذر قوله تعالى في الصحيح: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب» [رواه البخاري] فإنه إذا جهل أمره وعاداه فما وفى حقَّ الحق في خلقه؛ فإنه ما يدري علمَ الله فيه؟ وما بيّنه الله له حتى يتبرّأ منه، ويتخذه عدواً ! وإذا علم حاله الظاهر ـ وإن كان عدواً لله في نفس الأمر وأنت لا تعلم ـ فَوالِهِ لإقامة حقّ الله ولا تُعادِه؛ فإن الاسم الإلهي (الظاهر) يخاصمك عند الله، فلا تجعل لله عليك حجة فتهلك فإن للهِ الْحُجَّة الْبالِغَة!
فعامِلْ عبادَ الله بالشفقة والرحمة؛ كما أن الله يرزقُهم على كفرهم وشركهم مع علمه بهم، وما رزَقَهم إلا لعلمه بأن الذي هم فيه ما هم فيه بهم، بل هم فيه به؛ لِما قد ذكرناه بلسان العموم فإن الله خالِق كُلِّ شيء، وكفرُهم وشركُهم مخلوقٌ فيهم! وبلسان الخصوص: ما ظهر حكمٌ في موجود إلا بما هو عليه في حال العدم في ثبوته الذي علمه الله منه، فَلِلَّهِ الحجةُ البالِغةُ على كل أحد مهما وقع نزاعٌ ومُحاجّة.
من وصايا سيدي محيى الدين بن عربي