يقول ” عبد الرحمن بن المهذب ” خرجت إلى سوق العبيد لأشتري لنفسي عبدا يخدمني ، فوجدت سيدا يبيع عبدا و ينادي عليه قائلا : من يشتري هذا العبد على عيبه ؟ فقلت له : يا سيدي و ما العيب الذي فى هذا العبد ؟
فقال : سل العبد يخبرك فسألته فقال : عيوبي كثيرة و لا أدري بأيها شهروني
فرجعت إلى صاحبه وقلت : يرحمك الله ألا تخبرني عن عيب ذلك الغلام ؟
قال : إنه معتوه العقل ينتابه الصرع من حين إلى حين .
فقلت للعبد : أيأتيك هذا كل يوم أم يأتيك كل أسبوع ؟
فاسترجع وبكى وقال : يا سيدي إذا استولى داء المحبة على القلب سرى فى الأعضاء ، وإذا استولى على الجوارح نشر خمار المحبة على سائر البدن فيطيش العقل بذكر الحبيب ، فيحدث فى القلب استغراق و على البدن سكون فيراه الجاهل فيظنه عتها وجنونا .
قال عبد الرحمن : فعلمت أن الغلام من أولياء الله الصالحين .
فقلت لسيده : كم ثمن هذا الغلام ؟ فقال : ثمنه مائة درهم ، فقلت له : ولك مني عشرون فوق المائة ، ثم جئت به إلى منزلي ، فكان يصوم النهار و يقوم الليل ، ولا ينقطع لحظة واحدة عن عبادة الله و تلاوة كتاب الله .
وذات ليلة دخلت مخدعه فوجدته يصلي و يبكي حتى سجد فكان يناجي ربه فحفظت من مناجاته هذه الكلمات : ” إلهي , أغلقت الملوك أبوابها ، وبابك مفتوح للسائلين . إلهي .. غارت النجوم ، و نامت العيون ، و أنت الحي القيوم الذى لا تأخذه سنة ولا نوم ، إلهي , فرشت الفرش و خلا كل حبيب بحبيبه ، و أنت حبيب المجتهدين ، وأنيس المستوحشين ، إلهي , إن طردتني عن بابك فإلى باب من ألتجئ ، و إن قطعتني عن جنابك فبجناب من أحتمي ، إلهي , إن عذبتني فإني مستحق للعذاب والنقم ، و إن عفوت عني فأنت أهل الجود والكرم ، يا سيدي لك أخلص العارفون ، وبفضلك نجا الصالحون ، وبرحمتك أناب المقصرون ، يا جميل العفو أذقني برد عفوك ، وحلاوة مغفرتك ، إن لم أكن أهلا لذلك فأنت أهل لذلك ، وأنت أهل التقوى وأهل المغفرة ” .
فلما أصبحت قلت له : يا أخي كيف كان نومك الليلة ؟ فقال : كيف ينام من يخاف النار و العرض على الواحد القهار .
ثم بكى ، فقلت له :اذهب فأنت حر لوجه الله . فلم يفرح بذلك .
وقال : يا سيدي كان لي أجران : أجر العبودية وأجر الخدمة ، فحرمتني من أحدهما أعتق الله وجهك من حر جهنم . فدفعت إليه نفقة فأبى أن يأخذ منها شيئا ، وقال : إن من تكفل برزقي حي لا يموت ، ثم غاب عني
فكنت كلما ذكرت كلامه أخذني البكاء ، فسألت الله أن يحشرني فى زمرة عباده الصالحين المحبين لقربه ، و الساعين ليلهم و نهارهم إلى طلب فضله ورضاه . ([1])
([1])الروض الفائق في المواعظ والرقائق لشعيب بن سعد الحريفيش ص 41 , 42 , موسوعة تاج الذاكرين لابن مقصد العبدلي ص 51 , 52 .