لا تستبطىء النوال و لكن استبطئ من نفسك وجود الإقبال

يقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري :
“لا تستبطىء النوال و لكن استبطئ من نفسك وجود الإقبال . “
قلت : الحق سبحانه جواد ، كريم ، حليم ، رحيم ،من تقرب إليه شبراً تقرب منه ذراعاً ، و من تقرب منه ذراعاً تقرب منه باعاً ، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة كما في الحديث .
فإن توجهت إليه بقلبك ثم تأخر الفتح من قبله فلا تستبطيء منه النوال أي العطاء و هو كشف الحجاب ولكن استبطيء من نفسك وجود الإقبال ،
فلعل إقبالك عليه لم يكن بكليتك فإن الله سبحانه يقول بلسان الحال :
وليس يدرك وصالي كل من فيه بقية ،
أو كان بحرف أو خط .
و أما لو زالت أغيارك لأشرقت أنوارك ، ولو تطهرت من جنابة الغفلة لاستحققت الدخول إلى مسجد الحضرة ،
وقد يكمل إقبالك ويفوتك الأدب مع سيدك ،
وهو استبطاؤك النوال ، ولو صح منك الإقبال .
وقد قال أرباب المعرفة :
لأن تكون صاحب استقامة خير من أن تكون صاحب كرامة ،
ومن باع نفسه لله وكان عبدا مملوكا لمولاه فأي شيء يستحق على مولاه ؟!
حكي عن ذي النون المصري رضي الله تعالى عنه أنه رأى رجلاً قد اشترى داراً و أراد أن يكتب عقدها ،
فقال له ذو النون : يا أخي إن قبلت وصيتي أوصيتك.
فقال : نعم ، قل يا سيدي .
فقال له : لا تشترِ دارا تفنى وتدع دارا تبقى .
فقال له : من لي بها ؟
فقال : هلا اشتريت من الله دارا دار السلام ، ومجاورة الكرام ، لتنال فيها الأمان ، وتتنعم بنعيم لا يدرك بالأثمان ؟
دار لها أربع حدود :
الأول : منازل الخائفين ..
الثاني : منازل العارفين ..
والثالث : منازل المشتاقين ..
الرابع : رياض المحبين ..
دار سقفها عرش الرحمن ، وبابها باب الرضوان ..
مكتوب على بابها بالخط الأزلي :
دار تقوى ورضا عليهما … أسست ونعم دار المتقين
ثم نادى الحق من أرجائها … ادخلوها بسلام آمنين
فإن أردت عقد شرائها قلت :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } ،
هذا ما اشترى العبد الثواب من الملك الوهاب ،
بثمن قيمته الخروج من ذل المعاصي إلى عزة الطاعة ،
ومن تعب الحرص والطمع ..إلى راحة الزهد والورع ،
شهد بذلك عدول القلب واللسان ، وصحيح ما نزل من القرآن ، وبتاريخ حل عقدة الإصرار من وقت الإنابة ،
{وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله }
قال له : نعم .
ثم تصدق بماله و خرج معه إلى الله .
ثم من صح إقباله على الله .
لم يضع شيئا من الأوقات في غير طاعة مولاه .
كما نبه الشيخ على ذلك بقوله :
حقوق في الأوقات يمكن قضاؤها ..
وحقوق الأوقات لا يمكن قضاؤها .
( كتاب ايقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.